Wednesday, June 29, 2011

ترجمة نريمان لمقالي عن مؤتمر أهاي الشهداء في إمبابة

في ما يلي ترجمة ملخّصة لمقال كتبته عليا مسلّم بالانجليزية بعد حضور مؤتمر شعبي في امبابة. المؤتمر كان من تنظيم اللجنة الشعبية في امبابة لمناقشة محاكمة الضباط المتهمين بقتل المتظاهرين يوم ٢٩ يناير.

------

الاجتماع كان بيغلب عليه احساس الغضب. مشيت من هناك غضبانة أكتر مما رحت.

مبدئيا كنا عملنا قائمة بأسماء الصحفيين والاعلاميين وانا وإيهاب من اللجنة اتصلنا بيهم وعزمناهم يحضروا المؤتمر ومعظمهم أبدوا اهتمام. يوم المؤتمر سألت إيهاب لو حد من الصحفيين وصل وجاوبني: ولا واحد. يمكن لو كنا عملنا الاجتماع في نقابة الصحفيين كانت كل الناس جت." المشكلة اننا لازم نختار ما بين "كل الناس" و امبابة، وماينفعش نفضل متجاهلين امبابة.

وأهم حاجة في المؤتمر ده انه كان عن امبابة وعشان امبابة، والناس اللي كانت جاية من بره امبابة كانت مدعوة عشان التضامن والدعم. دعينا نشطاء وصحفيين وكمان لجان شعبية تانية من المطرية وكرداسة ودار السلام وغيرها من الأماكن اللي فيها وضع مماثل: يعني فيها متظاهرين اتقتلوا وماحدش بيتحاسب.

ليه، لحد دلوقتي، وبعد أكتر من ٤ شهور لسه التحقيقات ما كشفتش مين اللي أصدر الأوامر باطلاق النار؟ ليه لسه ما نعرفش إيه اللي حصل بالضبط وليه مافيش محاكمات حقيقية وعادلة بتظهر الحقيقة وتحاسب المسئولين؟

الأهالي اللي حضروا الجلسة الأولى للمحاكمة في أوائل مايو قالوا ان الضباط ما كانوش واقفين في قفص الاتهام. والقاضي أجل الجلسة ومشي لما عرف ان "بتوع امبابة هنا" ولما الأهالي اعترضوا قفلوا عليهم قاعة المحكمة؛ الأخبار اللي طلعت تاني يوم قالت ان الأهالي هاجموا مبنى المحكمة وبالتالي تم تأجيل المحاكمات أسبوع، وابتدت الاشاعات تنتشر في امبابة من مخبرين الداخلية ان القتلى كانوا بلطجية بيهاجموا الاقسام.

رد اللجنة الشعبية كان انهم أصدروا منشورات (عندي منها نسخة) بصور القتلى مع السن والمهنة (معظمهم طلبة في المدرسة أو الجامعة) وكمان كانوا فين بالضبط لما اتضربوا بالنار. اسلام، ١٥ سنة، كان خارج من الجامع لما الرصاصة دخلت في ضهره وخرجت من بطنه. ناصر، ١٨ سنة، كان بيجري على باب عمارته لما الطلقة جت في راسه. محمد صلاح، ٢٦ سنة، كان سايق التوك توك بتاعه لما اتضرب بالنار في صدره.

بعض أسر الشهداء اللى جم يتكلموا في المؤتمر حكوا ان اتعرض عليهم فلوس (وصلت ل١٥٠ ألف جنيه) عشان يتنازلوا عن القضايا، والبعض الآخر اتعرض عليهم شقق وغيرها. ولما رفضوا وأصروا على انهم المرة دي عايزين عدالة ونظام يضمن حقوقهم وحقوق ولادهم على المدى الطويل، اتقال لهم "خللوا بالكو، اللي هيحاسبونا دول حبايبنا، ده لو حد حاسبنا أصلاً."

بعد تبادل القصص اتكلمنا في الخطوات الجاية ممكن تكون إيه. المحامين الموجودين حذروا ان المحاكم لوحدها مش هتجيب للناس حقوقها، وان لازم يكون فيه حشد وتعبئة جماهيرية واعتصامات عند اقسام الشرطة.

الأهالي قالوا ان ثورتهم كانت ضد استبداد الشرطة، يبقى على أي أساس الشرطة لسه في نفس مكانها بنفس السُلطة ونفس الجبروت؟ وليه الناس لسه بتتعرض للظلم والمعاملة السيئة؟ هل لأن الثورة ما كانتش عنيفة بما فيه الكفاية؟ لو كده يبقى المرة الجاية هيكون فيه دم. مستعدين يدوا العدالة والمحاكم فرصتها بس بعد كده هيجيبوا حقوقهم بايديهم. لأنهم ما قاموش وثاروا وخاطروا بحياتهم وضحوا بحياة ولادهم عشان كل حاجة تفضل زي ما كانت.

واحد اتكلم وقال "الثورة مش بس في التحرير". من ال ١١٠٠ اللي اتقتلوا (الرقم وفقاً لعايدة سيف الدولة) كام واحد كانوا في التحرير وكام واحد ماتوا في المناطق الشعبية؟

أنا غضبانة ليه؟ لأن الثورة مستمرة من خلال اللجان الشعبية اللي أعضاءها بيناضلوا عشان يمارسوا سياسة حقيقية في مناطقهم، بيطالبوا بعدالة اجتماعية وبيشتغلوا على الوعي السياسي والاجتماعي وبيحاولوا يضمنوا ان صوت أهاليهم يوصل وما بيقبالوش مساعدات أو منح مادية عشان يحافظوا على مصداقيتهم قدام الأهالي. أنا غضبانة لأن كل الحاجات الجميلة دي بتحصل واحنا متجاهلينها تماما. كام واحد من النشطاء السياسيين بيحاولوا يدعموا الشغل الل بيحصل في امبابة وشبرا وحدايق القبة، أو حتى مدركين انه حاصل أصلاً؟

والأسوأ ان كتير من النشطاء بيتكلموا على ان أغلبية الشعب جهلة ومغيبين سياسيا ومنقسمين طائفيا؟ احنا بنتكلم نظريا عن النزاهة وعن حرية التعبير وحاجات مثالية كتير، بس الناس بتمارس كل ده على أرض الواقع، ولما باقول الناس قصدي اللجان الشعبية في مناطق كتير في مصر. مش بس في المناطق الشعبية، كمان في المعادي مثلاً. يعني مش موضوع طبقات اجتماعية بالضرورة.

بس مشكلة المناطق الشعبية هي ان صوتها مش مسموع. يعني مثلاً مافيش منهم نشطاء بيظهروا على شاشات التلفزيون، والنشطاء اللي بيطلعوا في التليفزيون أولوياتهم مختلفة، ده غير ان لا شكلهم زيهم ولا بيتكلموا زيهم. واحنا عشان نعدّي المأزق ده لازم نبطل نفترض اننا بنتكلم باسم كل الشعب أو اننا 'بنمثّل' كل الناس، ولازم نفهم ونتقبل ان مصر كبيرة وان مجتمعاتها المختلفة فيها مجموعات بتتكون ممكن تتكلم باسمها وتعبر عنها. احنا كنشطاء لازم نعترف بالمجموعات دي، بغض النظر عن توجهاتها السياسية، ولازم نحضر معاهم اجتماعات، ونخللي مطالبهم ومشاريعهم على رأس أولوياتنا.

ناس كتير وانا منهم قلقانين من الانتخابات البرلمانية الجاية. لكن في مناطق كتير اللجان بطلت تعمل دورات توعية للأهالي لأنهم حاسين ان الموضوع مش جايب همه.. الثورة ما بتحقق لهمش أي عدالة؛ وضعهم ماتغيرش ولا حد بيكلمهم على خطط اقتصادية أو حتى بيدّيهم وعود بالتغيير. بصراحة الأمور بتزداد سوءا وبالنسبة لناس كتير الكلام عن الانتخابات البرلمانية والنظم الليبرالية والاشتراكية والاسلامية بقى كلام غامض ونظري.

بس خلليني أوضّح ان موضوع التمثيل في الاعلام ده سمعت الناس بتشتكي منه بعد الثورة في مارس وابريل. وبيتهيألي ان من وقتها ناس كتير قررت ان طظ في الإعلام اللي هو كده كده مش بيمثلنا. وابتدوا يشتغلوا مع نفسهم وبسرعة. بالنسبة لهم الموضوع مش موضوع كلام في السياسة. انما موضوع حقوق وعدالة. وبيحاولو يفهموا بجد الاقتصاد شغال ازاي وميزانية إيه بتعمل إيه في الدولة والخدمات اللي عايزنها مسئولية مين وبتتكلف كام.

وفيه مناطق كتير رافضة ان يمثلها اسلاميين. لأنهم فاهمين ان الاخوان والجماعات الاسلامية الأخرى لعبت دور مهم في غياب الحكومة وفي غياب خدمات الدولة. بس دلوقت هم عايزين ان خدمات الدولة تشملهم وتشملهم مناطقهم. عايزين يكون ليهم مكان في البلد مش على هامشها. في المقابل لسه فيه محاولات من النظام الحالي (أو فلول النظام السابق) عايزة تقنعهم ان مالهمش صوت، وان أملهم الوحيد في العدالة انهم يقبلوا منح من وزارة الداخلية وياخدوا كام ألف وشوية شقق ويسكتوا. وترجع الأمور لما كانت عليه.

فيه حالة من للغضب والذعر من ان الأمور تنتكس وترجع زي ما كانت. وده غير مقبول بعد الأشواط الطويلة اللي قطعناها. عن نفسي أنا لما باروح المناطق الشعبية واتكلم مع الناس هناك، وبعدين أسمع النشطاء والسياسيين بيتكلموا عن البلطجية والانفلات الأمني والفتنة الطائفية بابقى هتجنن!

ازاي ممكن نبقى بالجهل ده. ازاي نبقى جاهلين كده بشعبنا، وبحاجة الناس للكرامة. ازاي نجهل يعني إيه الواحد يخاطر بكل حاجة عشان الكرامة والعدل و فرصة في الحياة، فرصة في التعليم، بيت فيه مياه وكهرباء ومجتمع في نظام وقانون مهمته انه يخدمك.

في اجتماع اللجان الشعبية كان فيه نقاط أمل كتيرة، زي مثلا الشغل اللي بتقوم بيه اللجنة الشعبية في سانت كاترين في سيناء وازاي ممكن ندعمهم. كما ان بعض اللجان مافيهاش تمثيل كافي للمسيحيين فاتصلوا بالكنائس ، أو راحوا ببساطة يخبطوا على الأبواب لتشجيع المزيد من الناس الى الانضمام عشان يبقى فيه تمثيل للجميع في اللجان. وكان فيه كلام عن ائتلاف لأسر الشهداء بيتشكل حاليا ويتضمن امبابة والمطرية ودار السلام وكرداسة وعدد من أماكن أخرى.

النشطاء والحقوقيين في مصر قعدوا سنين يسألوا: فين الناس؟ الشعب فين؟ كان النشطاء وقتها بيقفوا في احتجاجات عددهم فيها أقل من عدد الأمن المركزي. وبعدين الناس قامت وخلقت ثورة حقيقية. أخيرا بقينا جزء من حاجة قوية غيرت حياتنا كلنا، مش بس على مستوى البلد والتاريخ انما حتى على المستوى الشخصي لكل حد فينا. حسّينا اننا عشنا معجزة. ومع المعجزة بييجي احساس رهيب بالمسئولية. عشان كده لازم نتفق على الأولويات.

نتكلم ازاي عن مجلس الشعب أو الدستور والناس لسه مش حاسين بالأمان في حياتهم اليومية، كرامتهم لسه مهددة، حريتهم لسه مسلوبة، وفوق كل جه بيواجهوا خطر المحاكمات العسكرية.

الثورة اتولدت من الشارع ولسه مستمرة في الشارع. مستمرة في المطالبة بالعدالة الاجتماعية، باننا نكون كلنا واحد قدام المحكمة والعدالة، مستمرة في اللجان الشعبية اللي بيمارس من خلالها السياسة والتمثيل السياسة. ولو مابتديناش نشتغل على ازاي مطلب زي العدالة الاجتماعية يتحقق على أرض الواقع، حتتحول العدالة الاجتماعية لمجرد شعار مش هيفيد حد.

محتاجين نركز مع اللي بيحصل في الشارع ونسيبنا شوية من النظريات السياسية. الشارع فيه وعي وفيه حكمة، والأهم من كده انه فيه الناس. فيه تاريخ البلد وأهلها وفيه الواقع اللي الناس عايشاه. واحنا لازم نختار يا اما نفهم الواقع ده ونتعلم منه ونبني فيه، أو نستمر في تجاهله ونعيش في نظرياتنا وأيديولوجياتنا.

النشطاء في الاسكندرية والسويس بيقولوا ان شغلهم متقدم عن القاهرة لأنهم ما عندهمش "داء الإعلام" وان احنا في القاهرة مشغولين بمين قال إيه ومين بيمثل مين ومين بيتكلم كويس ومين رأيه من رأيي ومين هاختلف معاه، وناسيين المشاكل والاحتياجات الحقيقية للناس اللي عايشة حوالينا. الناس اللي كانت خطوط الدفاع الأولى في أول أيام الثورة ودلوقتي بيتفرجوا على ثورة غريبة عنهم في التليفزيون.

بس الثورة الحقيقية في الشارع. في كل شارع مش بس في التحرير. تعالوا نبطل نسمع الإعلام. نبطل نصنع الإعلام. احنا كشعب "اتقابلنا" في الثورة ومحتاجين دلوقتي نفضل على اتصال. أنا مقتنعة ان أي حل أو هيكلة سياسية هتيجي من فوق محكوم عليها بالفشل، بس لو ابتدينا مع الناس من تحت فيه حاجات مذهلة بتحصل. فيه تنظيمات حكم محلّي ومجموعات الشعبية بتطوّر نفسها وبتجرب أفكار جديدة على أرض الواقع. مجموعات وتنظيمات اتولدت مع الثورة وبتعبّر عنها. لو راقبناها عن قرب وشاركنا فيها أو نقلنا نفس الأفكار كل واحد في منطقته، هنبتدي نفهم حقيقة الحراك السياسي في مصر. ويمكن نتعلم حاجة. هنتعلم حاجة مش هنلاقيها في كتب التاريخ أو النظريات السياسية، لأننا قبل ما نتعلم عن السياسة، هنتعلم حاجات عن نفسنا وعن بعض.

اللي بيحصل في مصر دلوقت فرصة مش هتتكرر تاني في حياة أي حد فينا. بس احنا على شفا موقف خطر لأن يوم بعد يوم غضب الناس بيزيد واستعدادهم للتغاضي عن الظلم بيقلّ. احنا بنعيش لحظة رائعة مليانة إمكانات واحتمالات ما كناش نحلم بيها لأن فيه ناس كتير فعلا مستعدة للحراك والشغل والتغيير. ناس عايزة ديمقراطية حقيقية، عايزين مساءلة وشفافية ومناقشات سياسية وحلول اقتصادية، بس قبل كل ده محتاجين يحسوا انهم أحرار. ان خسائرهم وتضحياتهم متقدرة ومعترف بيها.

انسوا التحرير. انسوا التليفزيون. الثورة في كل شوارع مص

No comments: